بين باريس وواشنطن والرياض تقاطع ادوار محورها رئاسة الجمهورية. حتى اليوم لا يزال البيان الاميركي- السعودي- الفرنسي محور نقاش ومحط قراءة في الأبعاد والربط بين فحوى البيان والمرشحين المحتملين. والى البيان ينشط السعودي كما الفرنسي من خلال سفراء البلدين في لبنان على خط التواصل وجس النبض حول الرئيس العتيد والمرشحين، فيما غابت السفيرة الاميركية عن الواجهة. مقارنة مع دورها الماضي فقد خفت الدور الفرنسي وتراجع ولم يعد يملك كلمة السر في الاستحقاق ولا لديه مرشحون بعينهم. لا يضع فيتو على ترشيح سليمان فرنجية ولكنه لم يعلن دعمه له بعد، بالمقابل يستشف الاجواء حول ترشيح قائد الجيش جوزاف عون. وتجزم مصادر سياسية مطلعة أن لا مبادرة فرنسية واضحة المعالم ولا حراك مبني على اسس محددة وانما تأكيد من «بعيد لبعيد» على عدم رغبة فرنسا في انتخاب رئيس مواجهة اياً كان المرشح.
بشكل يومي تقريباً يتلقى مستشار الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل اتصالات من مسؤولين سياسيين للوقوف منه على الموقف الفرنسي من الاستحقاق الرئاسي، وفي لبنان تواصل السفيرة الفرنسية آن غريو زياراتها الى القيادات ورؤساء الكتل النيابية لإستشراف الاجواء الرئاسية. لا معطيات واضحة رئاسياً ولا اسماء مرشحين محسومة. مجرد حراك الهدف منه التأكيد على انتخاب الرئيس في الموعد الدستوري المحدد. في البيان السعودي الفرنسي الاميركي المشترك تأكيد على هذه النقطة تحديداً لكن الدخول في المواصفات عقّد الامر بالنظر الى ما تحدث عنه البيان الذي طالب برئيس يتماهى وتنفيذ القرارات الدولية. اربك البيان الوضع وصعب المهمة على المرشحين وقيّد خطواتهم وشروط فوزهم الدولية.
من وحي ما تقوله السفيرة الفرنسية في اجتماعاتها يُستَشفّ ان الفرنسيين يحاولون استعادة الدور في الملف الرئاسي اللبناني، وان فرنسا تريد الدفع باتجاه ان يكون للسعودي دوره في الاستحقاق. ويمكن توقع ان تبدأ اسماء المرشحين للرئاسة بالتبلور تدريجياً ما ان يقترب الموعد الدستوري. والى ذلك الحين يحتفظ كل طرف بأوراقه بمن فيهم «حزب الله» الذي سيكون تعاطيه مختلفاً هذه الدورة. يصر على الّا يكون له مرشح معلن تلافياً لوضع فيتو اميركي او سعودي على الاسم ولكن متى حددت جلسة لانتخاب الرئيس في مجلس النواب سيقوم بانتخاب اسم من الاسماء المرشحة والتي حكماً سيكون من ضمنها مرشحون حلفاء مهّد لهم الارضية والاجواء المناسبة لانتخابهم.
وللمعطى الداخلي دوره في هذه الدورة، وتعتبر مصادر سياسية معنية ان الناخب الرئاسي الاول في لبنان ليس الدور الفرنسي بل الوضع اللبناني الداخلي. متى قال «حزب الله» كلمته وحسم خياره فهذه نقطة اساسية يوافيه اليها التيار الوطني الحر وحلفاء الحزب من النواب السنة. بالمقابل يجري العمل سعودياً على تكتل سني من النواب الذين لا يدورون في فلك الاحزاب. لا شيء واضحاً بعد اكثر من الفراغ بوصفه الناخب الاكبر وغير ذلك مجرد حراك من «بعيد لبعيد» لم يضع فيه «حزب الله» ثقله فيما بدا المرشح الجدي سليمان فرنجية غير مستعجل على وضعه ومهادناً وهو يعترف ان انتخابه مرهون بظرف معين متى نضج تأمن له ما يريد. لم يقطع الامل من المحاولات مع باسيل لدفعه الى تبديل موقفه بدفع من «حزب الله» وحينها سيكون لمثل هذه التسوية ثمنها.
يتلهى العالم بقضايا تشغله وتحتل اولوية لديه، من اميركا والمواجهة مع الروس، الى فرنسا وهمّ تأمين الطاقة، وايران ووضعها الداخلي وتعثر الاتفاق النووي الايراني الاميركي. يذوب الاستحقاق الرئاسي وسط كل هذا فلا يعود انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان اولوية دولية او اقليمية. واذا لم تتكمن الدول المعنية من إيصال رئيس يتناسب وسياساتها فأقله ان تؤمن ستاتيكو امنياً سياسياً وتدعم الحكومة ورئيسها الذي اثبت حضوراً لافتا في نيويورك وعرف كيف يمهد الطريق الى حكومة بصلاحيات رئاسية.
غادة حلاوي – نداء الوطن